تحفة الآداب فيما ينبغي معرفته قبيل زيارة معرض الكتاب
يعودنا أخيرًا المحفل الثقافي الأكبر، والعرس الكتابي الأظهر، قبلة العقول النيرة، والأذهان المستبصرة، معرضٌ لم تنجسه الغوغائية بنجاستها، ولم تلبسه من مدلهمات ثيابها، آخر حصون الفكر والنهل في وجه غياهب الظلمة والجهل. اعلم رعاك الله أنه فرصة لا تعوض، وواجب لا يفوض، يفتح أبواب معرفة الإصدارات المهمة، وينهض بتطلعات الأنفس المُلمّة. معرض في اتساعه عظيم، وأكوام كتبه كريم، لا يتوانى عن حضوره الحكيم والبهيم.
ولكل معرض آداب، يلتزمها المثقف الحقيقي مذ تستقبله الأبواب، سنورد لكم بعضها من باب رفع العتاب:
اعلم رعاك الله أن ديوانيات الشاي في المعرض غالية مزحومة، تبلشك بأكواب زجاجية محتومة، فاجتنب القعود لكراسيها لأن ما بعدها قومة.
واعلم رعاك الله أن قوائم التوصيات نفيسة، فابحث في الأرفف عن ترشيحات أرباب الثقافة الرئيسة، وخل عنك البحث عن عريس أو عروسة.
واعلم رعاك الله أن الغنيمة للمبكرين، وأن الحضور بعد العصر يوقعك في شراك من في الهبات طامعين، لا سيما صديق صديقك كاتب زمانه الذي يدعي أن امتناعك عن قراءة تحفته المزعومة يجعلك من الخاسرين.
واعلم رعاك الله أن دور النشر ثلاثة: دار لا تضع الربح عائقًا في جعل كتبها كالسراج، ودار لا تفرق بين ذهب وملح أجاج، ودار مذ تقترب منها تشعر أنك في سوق الحراج.
واعلم رعاك الله أن رواد المعرض ثلاثة: كلهم لا يضروك إلا بزحمة الباركنغ (حتى الباحثين عن عريس أو عروسة).
واعلم رعاك الله أن ادعاء قدم العهد والشراء عند البائع غير مجدي، وأنه سيحاول حلب جيوبك بما على الخاطر لا يُعدِّي. فإن ابتغيت منه كتابًا وحيدًا، حوّش من الأرفف دزينة، وامتدح ذائقته في اختيار العناوين الرصينة، ثم ادّعِ الانصدام بالأسعار الدفينة، وأعد الكتب واحدًا تلو الآخر حتى يعتبر تخفيض سعر الكتاب الأصلي رأيًا سديدًا.
واعلم رعاك الله أن في مصادقة أصحاب دور النشر مصلحة منيعة، فداهن أولئك السامحين بحراسة مشترياتك ريثما تأخذ استراحة سريعة؛ التجول بأكياس ثقيلة بين جنبات المعرض غلطةٌ تهلك حتى عضلات أبي ربيعة.
واعلم رعاك الله أن العاملين بالمعرض ليسوا قاعدة بيانات، وأنهم سيرشدونك وفق ما احتازوا عليه من المعلومات. هذا يعني أن لا دخل لهم بحلطمتك أن دارك المفضلة تقبع قرب الحمامات.
واعلم رعاك الله أن لكل ندوة أهلها، مستمعين أو مترززين يطالهم فضلها. إن لم تجد مقعدًا في صفوفها الأمامية، فالحياة ستمضي، لا حاجة لتقريع منظميها ونعتهم بالظلامية.
واعلم رعاك الله أنك لن تقرأ كل ما تشتري، ولن تشتري كل ما تبتغي، وأنها ليست نهاية العالم مغادرة المعرض دون الظفر بمنياك. فهدئ من ****.
هذا ونسأل الله لنا ولكم العافية، والسلام مسك الختام.