تنويه مسبق: هذي الخربوشة غير مناسبة للباحثين عن الحذلقات المتظاهرة بالعمق.
أي واحد لحق على شريط كراش أيام السوني ١ يعرف كمية القروشة في تجميع كل الجواهر والسيوف (أو المفاتيح، كل عيلة ومسمّياتها). إذا تذكرون، فيه الجواهر البسيطة اللي تشترط إنك تكسر كل الصناديق، والجواهر الصعبة اللي تشترط إنك تخلص دروب مليانة بالوحوش والأفخاخ، والجواهر المستفزة اللي تتطلب منك إنك تروح جيئة وذهوبة (متعوب عليها) عشان تكسر صناديق ما كان ممكن تكسرها قبل ما تنجز شيء في منطقة لاحقة بالمرحلة. والسيوف عاد أنت وقدرتك على تخليص المرحلة في أقصر مدة زمنية. والسيوف البيضاء هي الأصعب لأنها تجبر الواحد يوصل لنهاية المرحلة في وقت يبدو شبه مستحيل أحيانًا.
وهالقروشة مو بس لأنه الشيء صعب قياسًا على أعمارنا وقتها -وهو صعب فعلًا-، بل أيضًا بسبب إنه ما كان وقتها فيه شيء اسمه يوتيوب أو ريدت نغش منه طريقة الحصول على جوهرة أو سيف استعصوا علينا. حدنا مجلات الحل الكامل وجيم ماستر وGameFAQs، واللي في النهاية كانت محدودة بسرعة النت (أو وجوده أصلًا) ومستوى لغة الواحد في حالة عدم توفر الحل بالعربي.
عمومًا، هالأسباب كانت كافية لحسينزم أبو ١٠ سنوات إنه ما يختّم كراش الثاني أو الثالث، وهذا الشيء الطبيعي. يمكن اللي مو طبيعي هي الحرّة اللي تولدت بخاطري من ذاك العمر بسبب إني ما قدرت أختم اللعبة المفضلة عندي، الحرّة اللي ما قدرت أبردها إلا قبل كم يوم. بعد عشرين سنة من ولادة الحرّة، قدرت أخيرًا إني أختم الجزئين الثاني والثالث من كراش وأجمع كل شيء فيهم. وبأحسب هالشيء من إنجازاتي في ٢٠٢٤ طبعًا. بس قبل ما أقول ليكم ليش، خلني أرجع في الزمن شوية.
فيه نقاط انعطاف وايد بنص القصة. أيام الجامعة (٢٠١٢ - ٢٠١٣ تحديدًا) رجعت اشتريت سوني ١ بس عشان أختم كراش. الجزء الثاني كان مستفز في بعض الأشياء، بس قدرت إني أختمه ١٠٠٪. اللي ما قدرت أسويه هو تختيم الجزء الثالث وسيوفه البيضاء. قدرت أحصل كل الجواهر، عادي. وبسهولة حصلت سيوف زرقاء وذهبية في أغلب المراحل. بس سيوف بيضاء؟ ما كان عندي الصبر الكافي؛ ما أقدر أقنع نفسي أعيد نفس المرحلة مرارًا وتكرارًا لين أجيب الوقت المطلوب للسيف الأبيض. ولذلك، ومثلما صرتون تعرفون صملاتي من فترات التباعد بين الخربوشات، سحبت على الموضوع في النص.
حصلت لي فرصة جديدة في منتصف ٢٠١٧ لما نزل الريميك على جيل السوني ٤، بس كانت زحمة الحياة والأبوة والعمل والدراسة أكثر من إني أمتلك وقت كافي لحك شعر رأس كراش ولعب أي شريط. وبالتالي أجلت لعب الريميك لين سنة ٢٠٢٠ لما أخذت لي اكس بوكس X. وهني كانت الصدمة.
بالنسبة لواحد متعود على الأجزاء الأصلية على السوني ١، كان التحكم بشخصية كراش في الريميك مختلف بدرجة ملحوظة ومستفزة. كنت أركض عشان أنط فوق حفرة، وفجأة أشوف نفسي طايح. كنت أضغط مربع عشان أقتل وحش، وأشوف إني مت قبلما ينضغط الزر. رقعت لنفسي إني من زمان ما لعبت كراش، وأكيد إني مع الوقت بأتعود. ولكن الحقيقة إني ما تحملت كمية الموتات الغبية اللي كنت أموتها وأنا أحاول أحصل الجواهر الصعبة والسيوف. فضلًا عن إنه السيوف ما صارت حكر على الجزء الثالث بس، بل حطوها في الجزئين الأول والثاني. ففوق صعوبة ديناميكيات اللعب الجديدة، صرت مجبر إني أحصل سيوف في لعبة ما كانت مصممة لتحديات وقت، وبالتالي ما كان فيها القدرات الخارقة زي اللي موجودة في الجزء الثالث. هل يحتاج أقول ليكم وش نتيجة كل هذا؟ صح، س ح ب ت للمرة الثالثة على التوالي. وهالمرة بديت أتقبل إني فشلت وما كنت ناوي أعيد المحاولة، لأني بكل صراحة ما أمتلك الصبر الكافي اللي يخليني أعيد نفس المرحلة مرة بعد مرة.
لكن أشوى إنه السحبات عندي سلاح ذو حدين. آلريدي ذكرت قبل شوي إني قدرت أخيرًا في أكتوبر ٢٠٢٤ إني أحقق الإنجاز وأختم كراش الثاني والثالث وأحصل كل الجواهر والسيوف البيضاء. لكن وش اللي صار؟ وش اللي خلاني صبور وأنا السحّيب المحترف؟ هني كل الشكر للعبة دارك سولز ٣.
اللي لعبوا ألعاب السولز يعرفون تمامًا كمية الصبر اللي الواحد لازم يمتلكها عشان يخلص اللعبة. طبيعي جدًا وأنت تلعب إنه يذبحك فجأة وحش بطريقة غبية تضيع شغل ساعات، أو إنك تحارب الزعيم ٥٠ مرة لين تقدر تهزمه، أو إنك تعيد نفس المنطقة ٤٠٠ مرة عشان تقدر تعديها بالشكل اللي أنت تبغاه. واللعبة فنانة في إنها تخليك تشخصن الموضوع مع كلمن، وعادي إنك تضحي بكل السولز والساعات اللي ضيعتها عشان تذبح وحش معين.
ممكن أحد يسألني: هلكيف يا حسين؟ أنت اللي ما تصبر على مرحلة كراش، تتحمل كل هذا في دارك سولز ٣؟ سؤال منطقي جدًا، بس جوابه سهل: مرة شفت نفسي مرة في الرق/rig بدون نت، وما كان عندي أي لعبة محملة غيرها. فكان الخيار يا إني أقعد أسبوعين بدون لعب، أو أقول يلا وش خسران وألعب دارك سولز ٣. واخترت الخيار الثاني طبعًا. بديت اللعب، وأجبرت نفسي على تقبل إنه الموت وخسارة الأرواح وتضييع الساعات جزء من اللعبة. ولذلك كنت أرجع أحارب الزعيم بعدما أموت مرة، ومرتين، وسبع، وعشرين، وسبعين. بس في النهاية أهزمه، وهذا المهم.
عمومًا، لا أستطرد أكثر من اللازم. المهم إني بعدما لعبت دارك سولز وخلصتها بكل الـDLCs، اكتشفت إني اكتسبت روقان فيديوغيميّ من نوع جديد، الروقان اللي خلاني أجرب ألعاب ما كنت أتحملها سابقًا. واضحة النهاية وين رايحة، صح؟ صحّين. رجعت لكراش، وطبقت نفس التكتيك، والنتيجة إني سويت اللي عجزت عنه خلال العشرين سنة اللي راحت.
فيه ناس تنتظر الحين درس مُستفاد، ولذلك عشان ما أزعّلها بأختم بكم سطر فيهم عبرة وفائدة. وبأكتبها بعرنجية مقلوبة جست بيكوز.
ورد في كتب الإفرنج أن الجنون إتيان ذات الفعل مرارًا بتوقع نتيجة مختلفة، وذلك بغية استنكار ذاك الطامح للتغير وهو يلتزم روتينًا لا يبارحه. اعلم -رعاك الله- أن لو حصل لقائلها لعب الأرواح المعتمة (أو ما يسمى بلغة الأنجلوساكسونيين Dark Souls) لاستبصر مفارقة قوله مقتضى الحكمة، إذ هذا الجنون وحده -لو صحت تسميته- ينزل على قلوب لاعبي الأرواح صبرًا يستكملون به زعماءها. والحق أن إتيان الفعل مرارًا يُعوّد النفس على إنزال الوعي بظواهر الفعل مرتبة أدنى، وبذا يتوافر للمرء هامش مقدرة إدراكية حجبه محاولاته الأولى.
أمزح، فيه زبدتين ببالي: أولًا: الروتين خطوة رئيسية في جعل الوعي يشتغل بطاقة أقل، بحيث تتاح للذهن مساحة إضافية يتعلم فيها أشياء جديدة. ثانيًا: لازم أتذكر دايمًا إنه الفشل جزء من عملية التعلم.