نزولًا عند نتيجة التصويت آخر الخربوشة عن الكتب الخمسة الأسوأ في ٢٠٢٣، قررت الكتابة عن أفضل قراءات العام الماضي أيضًا. ولكن من باب احترام الرأي الآخر المتمثل في ١٥٪ ممن صوتوا موافقين عماد بكون خربوشة "١٢ شهرًا و١٢ كتابًا" مضيعة وقت، سأقلل عدد الكتب بما يتوافق مع النسبة، وبذا تصبح هذه الخربوشة عن أفضل عشر قراءات، لا أفضل اثني عشر (#ديموقراطية #تسامح #عقلانيون).
لا حاجة لأي إطالات أخرى. ستشبه هذه الخربوشة سابقتها من حيث أنها ستستعرض الكتاب وما أثار اهتمامي فيه، إلى جانب بعض التفاصيل التي أود ذكرها عن تجربة قراءتي. لم يكن اختيار عشرة كتب من بين ستة وخمسين سهلًا (من بين واحد وخمسين بالأحرى، بحكم أن خمسة عناوين منها آلريدي تصدرت قائمة أسوأ القراءات)، لكنني حاولت تنحية انحيازاتي قليلًا بغية الخروج بقائمة تعكس تنوع مطالعاتي. على كل حال، قبل استعراض ما انتقيته، هنا صورة تضم جميع ما سأوجزه أدناه.
1. إزاحة المركز: الصراع في سبيل الحريات الثقافية - نغوغي وا ثيونغو
عرفت نغوغي روائيًا قبل معرفة أي شيء عن أطروحاته التنظيرية. عرفته روائيًا بالاسم، فالحقيقة أن تصنيفه كروائي ما-بعد-استعماري سبب أساسي في تثبيط عزيمتي عن مطالعة مؤلفاته مبكرًا. تغير الأمر حين صرت أكثر اهتمامًا بالأطروحات المناوئة للمركزية الأوروبية (والغربية) عمومًا، وهو ما جعل عنواني الكتاب الرئيسي والفرعي يحمسانني.
إزاحة المركز عبارة عن مجموعة مقالات كتبها نغوغي في فترات مختلفة من حياته، وهو ينقسم لأربعة أقسام: تحرير الثقافة من المركزية الأوروبية أولًا، تحرير الثقافة من الإرث الاستعماري ثانيًا، تحرير الثقافة من العرقية ثالثًا، وماتيغاري الأحلام والكوابيس رابعًا. يتطرق نغوغي لإشكاليات الثقافة المُنتَجة حين تختار اللغة الأم أو حين تختار لغة المستعمر. حري بالذكر أن نغوغي بدأ مسيرته الكتابية بالإنجليزية قبل التحول للغته الأم، اللغة الكيكويوية (أتحداكم تنطقوها). ومن قرأ لا تبكِ أيها الطفل قد يعرف أنها كتبت ونشرت أول مرة بالإنجليزية عام ١٩٦٤، وكذلك ما جاء بعدها مثل النهر الذي ما بين و حبة قمح و بتلات الدم و Wizard of the Crow (مصدع الآن ولا أريد التفكير في ترجمة للعنوان).
ولكن نغوغي في إزاحة المركز لا يتناول الثقافة من زاوية اللغة وحسب، بل يتطرق للعلاقة بين الإنتاج المعرفي -المؤسساتي- والأدب، متحدثًا تحديدًا عن دور الباحث والمثقف في إدراك لاتكافؤ القوى بين المركز والهامش وتبعات هذا الإدراك على الإنتاج عمومًا. كلام تجريدي أكثر من اللازم؟ إيه ولا. المهم أن إزاحة المركز حمسني بما فيه الكفاية لقراءة كتابات نغوغي الأدبية والتنظيرية الأخرى.
زهقتكم من كثر ما تحتوي قوائم أفضل قراءاتي على رواية نشأة (bildungsroman / coming-of-age)؟ هاكم إذن رواية نشأة أخرى. لكن لأسباب مختلفة قليلًا عما جاء في قوائم قبلها.
تحكي الرواية قصة لورينزو الانطوائي الذي يكذب على والديه قائلًا أنه ذاهب في رحلة تزلج مدرسية مدتها أسبوع، في حين أنه سيتخلف أصلًا عن الرحلة مفضلًا البقاء بمفرده في قبو المنزل. لا يدوم انفراده طويلًا، إذ سرعان ما يتلاقى صدفة مع أخته أوليڤيا التي جاءت للقبو بحثًا عن بعض أغراضها. لا أعرف ما الكلمة العربية المناسبة لوصف حالة أوليڤيا؛ هي غادرت المنزل وباتت تعيش حياة منفصلة عن أهلها، قطعتهم بشكلٍ ما. كما عاشت حياتها عرضة لمختلف المخدرات والكحوليات دون أن يلوح أفق تحسنها. وبالتالي عودتها للبيت أمر غريبٌ عليها وعلى لورينزو في الوقت نفسه.
المهم، حين تلاقى الشقيقان في القبو، نمت علاقتهما وصارا يتعرفان على ذاتيهما أكثر وأكثر. وفي حين تزود كل واحد من الآخر، نتزود نحن القراء من الدور المحوري الذي تلعبه العلاقات العائلية في صقل شخصية الأبناء، لا سيما حين نقارن تنشئة لورينزو وأوليڤيا بالكيفية التي انتهت عليها حياة كل واحد منهما.
قرأت الرواية لأنها إيطالية، ولأني كنت أود قراءة عمل قصير لأمانيتي قبل مطالعة روايتيه أنا لست خائفًا و آنا. والحقيقة أني أنهيت أنا وأنتِ في وقت وجيز نسبيًا دون شعور بالملل، فأسلوبها أسلس مما توقعت قبل البدء فيها. إضافة لذلك، العالم الذي يخلقه أمانيتي في الرواية مثير للاهتمام بشكل لا أستطيع تحديد أسبابه تمامًا. لكن لا يهم، المهم أن أنا وأنت تستحق أن تكون على قائمة أفضل قراءات ٢٠٢٣.
3. النظرية وتحديات الناقد الثقافي - محمد الشحات
هذا من الكتب التي أفردتُ لها حلقة كاملة من كتبيولوجي. الكتاب باين من عنوانه إلى حد كبير. المهتم بالنقد الثقافي سيجد فيه طرحًا رصينًا up to date عن مفاهيم النقد الثقافي وممارساته كما تحضر في الأوساط الأكاديمية. ربما تعلمون أن النقد الثقافي موضة أخذت تسود أكاديميًا منذ الثمانينات وطالع، وبات يحتل موقعًا مهمًا في الإنتاج المعرفي اليوم بمختلف المجالات. كتاب الشحات محاولة للإسهام في أطروحات النقد العربي الثقافي تحديدًا، وذلك من خلال خمسة أوجه رئيسة: المنهجية والمرجعية والهوية والجندرية والأجناسية.
يحاول الشحات تناول إشكاليات كل وجه نظريًا وتطبيقيًا، أي يتناول الإشكالات المفاهيمية ويدعمها بأمثلة من الأدب العربي. تارة ينقد وجهة نظر سائدة، وتارة يسلط الضوء على زوايا مخبوءة في أعمال أدبية يمكن إثراؤها بالنقد الثقافي. وبما أنه يتبنى مقاربة بينية (أو يسعى لتبنيها على الأقل)، فإن الطرح يشرق ويغرب بنا لمختلف الزوايا المعرفية وفقًا للموضوع المتناول.
الكتاب بطبيعة الحال دسم. وبغض النظر عن اعتراضاتي حول مفهوم الأدب والإطار المفاهيمي اللذين يستخدمهما الشحات في أغلب طرحه (صراحة أو ضمنًا)، خصوصًا أن إطاره يستثني ابتداءً أطروحات نقدية تسبق سيادة الموضة أكاديميًا، إلا أن الكتاب علامة فارقة حتمًا في المشهد.
هنالك سببان جعلاني أتردد إذا ما كان ينبغي ضم رواية المسلوب لكتب هذه الخربوشة. أولهما أن نفس الرواية حضرت في قائمة أفضل قراءات عام ٢٠١٩ (ولكن التدوينة راحت مع مدونة يومياتية التي احتوتها)، وثانيهما أني كتبت عنها مقالة مفصلة على منصة معنى قبل أربعة أعوام. فلو فيكم من يتابعني منذ ذلك الحين -لا سمح الله-، سيغدو كلامي محض تكرار لما سبق وأفردت له السطور والصفحات.
وذلك صحيح لحد كبير. لا أدري إن امتلكت بجعبتي المزيد لأقوله بعد قراءتي الثانية للرواية غير أن عالمها رهيب لدرجة أني ما زلت أحب الحديث عنه أكثر من اللازم. تنتمي رواية المسلوب لما يسمى بسلسلة هاينش، وهي كتابات خيال علمي (أو خيال تأملي كما تحب الكاتبة تسميتها، speculative fiction) وضعتها الكاتبة أورسولا لي-غوين ضمن منظومة من الحضارات بين-الكوكبية. ولكن اتساع النطاق الجغرافي (أو الفضائي بالأحرى) لا يعني مرور لي-غوين مرور الكرام على تعقيدات الأنظمة التي تنشأ في مختلف البقاع، إذ تفرد الصفحات لتقدم للقارئ وجبة دسمة في نقد الفكر السياسي والاجتماعي والثقافي حتى. هنا أهمية الجانب التأملي في السرد؛ لا تكتفي لي-غوين بمساءلة الوضع الراهن، مثلما في سنة نشر المسلوب (١٩٧٤)، بل تتجاوزه محاولةً إعادة صياغة العلاقة بين اللغة (والسرد) والواقع عمومًا. ربما تروقكم كلمتها في الدفاع عن الفن ضد المنظومة الربحية كما راقتني.
وبس. من يرغب بقراءة مطولة للرواية وثيماتها سيجدها في مقالتي على منصة معنى.
5. بلاغة العمل التخييلي - وين بوث (راح السوبرماركت هاها)
ظل هذا الكتاب على أرفف مكتبتي تسع سنوات تقريبًا قبل قراءته. لا أبالغ. شوفوا الصورة من أمازون:
ولا ألام صراحة. أولًا، طرح الكتاب تنظيري فيما لم أفقه فيه شيئًا آنذاك، اللي هو النقد الأدبي. ثانيًا، الكتاب ضخم بعدد صفحاته الذي يتجاوز الـ٥٠٠ صفحة. وثالثًا، يستخدم الكاتب مئات الأمثلة التي لم أقرأها ولم أسمع عنها يوم اقتنيت الكتاب. ورابعًا، من قال أن الشغل ركن الكتب على الأرفف عيب؟
على كل حال، قرأت الكتاب أخيرًا منتصف العام الماضي، وأنهيته بعدما اندك ريال مدريد برباعية نهائي الأبطال ببضعة أيام. من عنوان الكتاب، واضح أنه يتكلم عن الأبعاد البلاغية في الأعمال التخييلية. وهذا وصف دقيق وكافٍ لأطروحة الكتاب الرئيسية. بس هناك ما هو جدير بالذكر: على عكس الأطروحات التي تركز على بلاغة العمل كما لو أنها مستقلة عن عملية القراءة، تقوم أطروحة وين بوث على تفاعل ثلاثي إن صح التعبير، تفاعل بين السارد والسرد والقارئ. يتمحور هذا التفاعل حول فكرة الأثر الذي يحدثه السرد على القارئ. بعبارة أخرى، يتناول وين بوث أبعاد السرد التي تمكّن السارد من إحداث أثرٍ ما على القارئ باستخدام اللغة. كل هذا يجعل النقد الأدبي عند بوث جزءًا من إقبال القارئ واستشعاره آثار العمل، الأمر الذي يُمكّن المرء من الحديث عن بلاغة أساسًا.
وبالتالي حتى لو أنه سلط الضوء على ثيمات تبدو اليوم مبتذلة (وينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار أنه نشر أول مرة عام ١٩٦١، قبل أن تصبح النظريات الأدبية من بنيوية وما-بعد-حداثية وخرابيطية موضة أكاديمية)، من قبيل واقعية الرواية وموضوعية الكاتب وصوت السارد، إلا أنه يتناولها من زاوية التفاعل الثلاثي نفسه، الأمر الذي يسهم في تحليل توظيف التقنية وموقعها السردي المحتمل بذهن القارئ.
الفكرة مثيرة للاهتمام صح؟ طبعًا.
6. الفتاة التي لم تكن شجرة - حوراء الدهان
في ٧٣٪ من المرات التي أقع فيها على عنوان رواية "شعريٍّ"، أتجاهلها. لا أحب الشعر، وأفترض أن الرواية التي تحمل عنوانًا شعريًا مكتوبة هي الأخرى بناء على تصور أفضلية الشعر واللغة المبنية على تكثيف الصور المجازية والاستعارات. حينما يصدق هذا التصور، مثلما وجدته مطلع رامة والتنين، أقرر ألا أقرأ العمل حفاظًا على أعصابي من التلف. لكن في مرات أخرى -مثل قراءة الفتاة التي لم تكن شجرة-، أتجاوز العنوان، وتظل أعصابي ولله الحمد غير تالفة.
كتبت عن الرواية الموجز التالي لنشرة إلخ: بلا جذور تُبقيها في مكانها، تجوب سيدرا (بطلة الرواية، ولها رمزية معينة لن أحرقها عليكم هنا) الأماكن باحثة عن ذاتها. وحيدةً تستكشف الطرقات، تجرُّ وراءها حقيبة سفر تضم آخر صِلاتها بالحياة التي تنوي التحرر منها. محملة بقصة حب تعيسة، تتأمل البطلة في حياتها على طول خط زمني مبعثر، ومواقف غير معهودة، وذكريات تتداخل وترمي بها في اغتراب لا يداويه لا المجهول ولا الآخرون. وحين تقرر أخيرًا رمي الحقيبة بأعماق البحر، تكتشف أنها ما تزال رهينة قيود أخرى.
أعرف أن الكلام منمق وكبير ولا يبدو صادرًا مني، لكن والله شسوي بعد. كتبته هناك وأعتقد أنه ملائم هنا أيضًا لأنه يعطي لمحة عن حبكة الرواية وبعض ثيماتها الرئيسة (هناك ثيمات أكثر مما ذكرت هنا بطبيعة الحال). أعرف أني لو عللت سبب قراءتي من البداية بكون الكاتبة قطيفية لاتهمتوني بالانحياز بنسبة فلافة وفلافين.
7. تعلم اللاتعلم: تأملات ديكولونيالية من أوراسيا والأمريكيتين - مدينة تلوستانوڤا & والتر منيولو
لو أخبرتكم أن والتر منيولو الذي بلغ من العمر ثمانين عامًا يقول بأنه ما يزال يتعلم، لربما قلتم أن هذا أمر يثير الإعجاب. وستكونون محقين تمامًا. طيب. لو أخبرتكم أن منيولو الذي بلغ من العمر ثمانين عامًا يقول بأنه يحاول هدم بعض ما تعلمه كي يتعلم من جديد، وذلك لأنه اكتسب معرفته المرة الأولى بشكل خاطئ، ماذا ستقولون؟ أمر يثير الإعجاب ونصف.
ولست أشير فقط لما ذكره منيولو في الجلسة النقاشية التي أدرتها قبل عام ونصف، بل تشكل فكرة هدم+إعادة التعلم (unlearning in order to learn) أيضًا نقطة انطلاق تعلم اللاتعلم الذي كتبه بالاشتراك مع مدينة تلوستانوڤا، أستاذة النسوية ما-بعد-الاستعمارية في جامعة لينكوبينغ (لا أعرف كيف تنطق بالعربية) بالسويد.
ينقسم الكتاب لثلاثة أقسام. يتناول القسم الأول منطق الاستعمارية (coloniality) والتفكير الحدودي انطلاقًا من سياسات معرفة مغايرة جسديًا وأرضيًا. بمعنى أن التنظير المعني هنا مبني على الاختلاف في مواقعية المنظّر. القسم الثاني تكتبه مدينة عن تقويض المعرفة حول بعض المناطق الأوراسية، والتي ما تزال خاضعة -معرفيًا- للمنطق الاستعماري سواء من وجهة نظر غربية أو سوڤييتية (والذي تعتبرها غربية بدرجة ثانية إن صح التعبير). أما القسم الثالث الذي يكتبه منيولو، فهو يسلط الضوء ابتداء على مفهوم الإنسان وتبعاته، الأمر الذي يجره للحديث عن الحقوق والمواطنة والإنسانيات (المجالات المعرفية الإنسانية في الأكاديميا).
إذا كنتم شاهدتم حلقة كتبيولوجي عن أفضل قراءات ٢٠٢٢، ربما تتذكرون أني تحدثت عن كتاب منيولو تواريخ محلية/اتجاهات عولمية والأفكار المشابهة التي يطرحها بتفصيل ورصانة هناك أيضًا. خذوا لكم طلة سريعة على الكتاب في الفيديو أدناه لو أردتم، لأنه مصدر مناسب لإدراك أهمية أسس طرح تعلم اللاتعلم.
8. القوقعة: يوميات متلصص - مصطفى خليفة
هذا أيضًا من الكتب التي أجلت قراءتها طويلًا. لكن السبب مفهوم برأيي: هل يكون المرء دومًا في حالة نفسية تجعله قادرًا على قراءة أدب السجون بكل ما يحتويه من تفاصيل مفجعة ووحشية؟
يكتب مصطفى خليفة قصته هنا، كيف اعتقل في مطار دمشق إبان وصوله عائدًا من دراسة الإخراج السينمائي في فرنسا عام ١٩٨٢، وتنقله في سجون مختلفة (منها سجن تدمر) دون محاكمة حتى أفرج عنه عام ١٩٩٤. اثنتا عشرة سنة دون محاكمة أو تهمة حقيقية، تحكيها الرواية بكل تفاصيلها دون أي مواراة.
لا أستطيع قول المزيد دون استحضار الصور المروعة في الرواية. لكن اقرؤوها إن أردتم صقل حس الكراهية المبررة لديكم بشكل أفضل.
9. فلسطين تتحدث: سرديات حياة تحت الاستعمار - كيت مالك & ماتيو هوك
إثر أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها، وجدتني أتساءل عن طبيعة الحياة اليومية في غزة، عن الحال في "أكبر سجن مكشوف في العالم". قادني تساؤلي لهذا الكتاب الذي نشر للمرة الأولى أواخر عام ٢٠١٤. الكتاب عبارة عن مجموعة من المقابلات الشفهية التي أجريت مع أشخاص من خلفيات اجتماعية ومعرفية مختلفة، وكلها تسلط الضوء على الكيفية التي يتعايش بها الفلسطينيون مع الاحتلال الصهيوني ووجوده شبحًا مخيمًا على حياتهم اليومية. طالبة صحافة، صياد سمك، أمُّ شهيد، وغيرهم ممن يشهد آثار الاحتلال بطريقة ليست دائمًا حاضرة في أذهان الجميع خارج نطاق الاحتلال وشبكاته. لا أقول تعايش بالمعنى الإيجابي للكلمة، أبدًا.
وتشمل المقابلات أيضًا مقابلة مع صهيوني يقوم على شؤون إحدى المستوطنات، وذلك من أجل وضع حياة الفلسطينيين في سياق يوضح كيف ينظر إليهم "الآخر" الذي يستوطن أراضيهم ويبرر استيطانه. وفي حين استنكرتُ في البداية ضم صوته كما لو أنه نظير للأصوات الفلسطينية الأخرى بالكتاب، سوى أن صهيونيته التي تنضح من كل واحدة من إجاباته دلالة كافية على ما يقاسيه الفلسطينيون على الدوام.
قرأت الكتاب في سبيل تقليل أضرار القراءات الرسمية أيًا كانت. هناك دائمًا أصوات مهمشة من شأنها جعلنا ندرك أن ظاهر الأمور مضلل بشكل كبير. وأظن أن هذا الكتاب مثال جيد على الكيفية التي تسلط فيها الأضواء على حيثيات معينة بواسطة إقصاء أخرى.
10. مأساة أن تكون جادًا - هاجر سعود
أوهو أكيد حسين بيقول لينا الحين إنه كتب برضه مقالة عن هذا الكتاب. صحيح تمامًا. كتبت مقالة لنشرة إلخ عما إذا كان الخيار يحلم بأن يوضع في السلطة. وأزيدكم من الشعر بيتًا: سجلت حلقة كتبيولوجي أتناقش فيها عن الكتاب مع حسين الضو، مستطردين حول فن القصة القصيرة كتابةً وتلقيًا. والمفروض أنها ستنشر تزامنًا مع هذه الخربوشة.
قرأت مأساة أن تكون جادًا بعد توصية حسين نفسه، حين وصف الكتاب بكونه مجموعة قصصية مختلفة شكلًا وأسلوبًا وموضوعًا عن السائد محليًا. وما إن باشرت مطالعة الصفحات الأولى حتى وجدتني أوافقه تمامًا. في ظاهرها، تتناول قصص الكتاب ثيمة من الحياة اليومية، ومن ثم تسلط الضوء عليها من زاوية مغايرة لما ألفناه من أجل خلخلة استقرار المعنى بأذهاننا. قصة عن ماهية السَّلَطَة وعما إذا كان الخيار مكونًا رئيسيًا فيها. قصة عن مثقفَين يعتقدان أن مفاتيح العالم خاضعة لفكرهما وهما كالحمل الوديع على طاولة الطعام بمنزلهما. قصة عن عالم تبدأ المكانس الكهربائية فيه بالانتحار واحدة تلو الأخرى. وغيرها وغيرها.
أقول "في ظاهرها" لأن القصص مرتبطة فعليًا بخيوط واضحة وخيوط خفية. بمجرد أن يبدأ القارئ مطالعة المجموعة سيدرك أن عالم القصص التخييلي واحد برغم اختلاف حبكاتها، كما سيدرك تحاورها من خلال مفاهيمهما وشذراتها الاستهلالية وإحالاتها على بعضها أحيانًا. هذا ما يجعلني أتردد إزاء تصنيفها كـ "مجموعة قصصية" بشكل حصري. وتتفاقم صعوبة التصنيف حين نأخذ بعين الاعتبار ما تقر به الكاتبة في العمل نفسه عن محاولتها للإمساك بزمام متاهة اللغة وصنع الأحداث منها، إذ تميز بشكل واع بين الأحداث اللغوية (التي يكون مسرحها اللغة) والأحداث الواقعية، وتُمشكل العلاقة بينهما. بغض النظر عما إذا اقتنع الكاتب بالزوايا المغايرة، على الأقل نجحت الكاتبة تمامًا في إدخالنا متاهات لغتها.
إن كنتم تقرؤون هذه الجملة، فهذا يعني أنكم برهنتم خطأ رأي عماد وأنصاره ومنحتموني بشكل غير مباشر كوب قهوة في الدوام. وتذكروا، لم يكن اختيار ١٠ كتب من ٥١ سهلًا، ولعلي أسقطتُ من القائمة ما سيتواجد بها لو أعدت ترتيب أولوياتها. يمكنكم رؤية قائمة القراءات كاملة هنا. وأرحب دائمًا برسائلكم وتعليقاتكم، ولا تنسوا الضغط على الزر أدناه لئلا تفوتكم الخربوشات أول بأول على إيميلاتكم.
صباح الخير
بعض التنبيهات تجلب السعاده من الصباح استفتحت يومي بمقالتك وانا احلول اخذ كم دقيقه من العمل بين وقت والاخر للانتهاء منها
اعتقد انا اول من يبرهن على خطاء عماد 👍🏻
طلعت من المقاله بكتابين لازم اقراهم في اقرب فرصه
- الفتاة التي لم تكن شجرة
من البداية شدني العنوان امكن لاني احب الاشجار "ما ندري"
والسبب الثاني ان الكاتبة من القطيف ✨
- ماساة ان تكون جادا
حاولت جاهداً ان ما ادخل على المقالة السابقة او البرودكاست عشان ما اقتل متعة الكتاب لي عوده لهم بعد ما انهي الكتب بادن الله