إذا جئت لهذه الصفحة بافتراض أنها ستزودك بنبذة قصيرةٍ أو طويلةٍ عما تحتويه خرابيشي المرتبة، فأنا آسف مقدمًا لتخييب ظنك. أكتب هذه السطور لا بهدف الإجابة عن سؤال "عمّ ستكتب؟" بقدر ما أرغب في طرق أبواب سؤال "كيف ستكتب؟" تعكس رغبتي اعتقادي بأن الإيغال تأملًا في سؤال عمّ كثيرًا ما يفضي لتهميش سؤال كيف، والذي أجده السؤال الأهم من حيث كونه يقارع أسئلة مهمة أخرى، من على شاكلة من؟ ومتى؟ وأين؟ ومن أين؟ بعبارةٍ أخرى، ليس همي هنا التركيز على طرحٍ موضوعي (سواء من حيث موقفي أو من حيث صياغة ماهية الطرح) بقدر ما هو التركيز على زاوية مقاربةٍ ما.

ولكن هذا الانزياح في صياغة السؤال يعني أيضًا الانعتاق من قيود الموضوع (أو الموضوعات) والتركيز على الكتابة بحد ذاتها. اخترت مفردة الخربشة توكيدًا على أولوية الكتابة وعلى كونها صدحًا بتأملات ذاتية "غير ناضجة"، سواء من حيث كيفية تناولي لمختلف الموضوعات أو رسمي لخطوط العلائق بينها. مثلما تبدأ اللوحة الفنية بخرابيش من شأنها إضفاء تصور مبدئي قابلٍ للتعديل والبناء والتجريح، فإن خرابيش الكتابة لحظة بلورة سمتها اللاقطعية.

تمثل الكتابة بالنسبة لي وسيلةً لا مناص منها لتوضيح ما يراودني من أفكار. أقول ذلك لأنني لم أجد حتى الآن وسيلة أكثر نجوعًا منها. مذ انتهجت تدوين التأملات وأنا أقدر على التمييز بين ما أحتاجه وما يمكن الاستغناء عنه، بين ما يصلح البناء عليه وما لا يصلح. والأهم من كل ذلك، صرت أقدر على استيضاح مواطن الخلل والضعف فيما يراودني، إذ تجبرني الكتابة دومًا على إعادة التأمل في أوجه ما ألفته واعتدته، وحري بذلك أن يجعلني متسائلًا في كل شاردة وواردة ومتملصًا من الركون إلى أي أجوبة نهائية.

يمكن إذن اعتبار الخرابيش المرتبة هنا محض مشاركة لهذه التأملات والتساؤلات. ولأن الإنسان الطبيعي يصادف في يومياته شتى التجليات، اهتمّ بها بشكلٍ حقيقي أم لم يهتم، فمن الطبيعي أن تطرق الخرابيش أبواب اهتماماتي المختلفة وقتما صارت أسئلتها أكثر إلحاحًا ووقتما استدعى الأمر التوقف برهةً لتقليب معانيها. وجل ما أبتغيه هو أن تجد كتاباتي من يشاركها الأسئلة علّ تفكيرنا بصوتٍ عال يجعل أبعادها تنعكس علينا بشكلٍ يسمو عن نقطة انطلاقنا في مختلف الاتجاهات.

إذا لم تكن الإجابة في السطور أعلاه كافيةً للإجابة على السؤال الذي زعمتُ أني سأجيب عليه، يمكنك قراءة خربشتي بعنوان: "في البدء كانت الصدمة..." علها تؤدي الغرض. وفي الحالتين، يمكنك الاشتراك في نشرتي لتصلك أحدث التدوينات مباشرة على صندوق بريدك مرة كل أسبوعين (أو بحسب تسويفي). أما الآن، لنبدأ.

Subscribe to خرابيش مرتبة

تأملات شاطحة في اتجاهات وايد، حرفيًا.

People

Ask, and you shall receive.